أقدم المتاحف في التاريخ

أقدم متحف في التاريخ: رحلة عبر الزمن

المتاحف هي من أبرز معالم الثقافة البشرية، إذ تمثل الذاكرة الحية للمجتمعات والحضارات عبر العصور. تنطوي المتاحف على أهمية كبيرة من حيث الحفاظ على التراث والذاكرة الثقافية للأمم والشعوب. فالمتحف ليس مجرد مكان لعرض الأعمال الفنية أو القطع الأثرية، بل هو سجل حي لأحداث وتطورات مر بها الإنسان على مر التاريخ. لكن، مع تطور علم المتاحف، يثار تساؤل مهم حول أقدم المتاحف التي كانت موجودة في العالم.

إن دراسة أقدم متحف في التاريخ تشكل رحلة إلى الأزمنة الغابرة، حيث بدأت فكرة المتحف في شكلها البدائي وتطورت إلى الشكل المعاصر الذي نعرفه اليوم. ولفهم هذا الموضوع بعمق، يجب أن نعود إلى نشأة المتاحف الأولى، والتي كانت تتسم بالبساطة وتقتصر في كثير من الأحيان على مجموعات شخصية أو أماكن مخصصة لحفظ الأشياء النادرة.

بداية نشوء المتاحف: هل كان هناك متاحف في العصور القديمة؟

إن فكرة المتاحف لم تكن موجودة بالشكل الذي نراه اليوم، إلا أن هناك بعض الأشكال الأولية للمتحف تعود إلى العصور القديمة. واحدة من أقدم وأهم هذه الأمثلة كانت في حضارات ما قبل التاريخ، حيث كانت بعض المجتمعات تجمع قطعًا وأدوات نادرة وأثرية للاحتفاظ بها عبر الأجيال. ولكن هذه المجموعات لم تكن مفتوحة للعامة بالشكل الذي نراه في المتاحف الحديثة.

في العصور القديمة، كان العديد من الفراعنة والحكام يجمعون القطع الفنية والأثرية التي تمثل رمزًا لسلطتهم، وكانت هذه المجموعات محفوظة في معابد أو قصور حاكمة. على سبيل المثال، كان في معبد آمون في مدينة طيبة القديمة في مصر مجموعة من الآثار التي كان يتم عرضها داخل معبد الإله آمون، لكن لم تكن هذه المجموعات مفتوحة لعامة الشعب.

متحف الإسكندرية: أول متحف معروف في التاريخ

من أبرز الأمثلة القديمة على المتاحف في التاريخ هو متحف الإسكندرية (المتحف المصري القديم)، الذي أسس في القرن الثالث قبل الميلاد. ولكن، في الحقيقة، لم يكن هذا المتحف عبارة عن مجموعة من الأعمال الفنية كما نراها اليوم. بل كان مؤسسة علمية وفكرية تضم مجموعة من علماء الفلك والرياضيات والفلاسفة. تأسس المتحف في الإسكندرية في مصر في عهد الملك بطليموس الثاني، وكان يعتبر مركزًا علميًا وفكريًا مرموقًا في ذلك الوقت.

كان متحف الإسكندرية يعنى بجمع القطع الأثرية من جميع أنحاء العالم المعروف آنذاك. وكان علماء الإسكندرية مثل إراتوستينس وأرخميدس وأبولونيوس وغيرهم يتوافدون عليه لإجراء أبحاثهم واكتشافاتهم. يقال أن المتحف كان يحتوي على العديد من المجموعات من الحيوانات الحية والنادرة، والكتب، والأدوات الفلكية، والخرائط، وكل ذلك في بيئة علمية بحتة كانت تتسم بالهدوء والبحث العلمي.

لكن رغم كون هذا المتحف هو أقدم المتاحف التي نعرفها من الناحية العلمية والفكرية، إلا أنه لا يعد المتحف الوحيد في العصور القديمة.

متحف بابل في بلاد الرافدين

في قلب بلاد ما بين النهرين، وُجدت حضارة بابل التي اشتهرت بإنجازاتها المعمارية والفنية والعلمية. وفي هذا السياق، تشير الأدلة التاريخية إلى أن هناك عددًا من المجموعات التي تم جمعها في أماكن يمكن تصنيفها على أنها نوع من المتاحف القديمة. فالحكام البابليون، مثل نبوخذ نصر الثاني، قاموا بتجميع القطع الفنية من جميع أنحاء إمبراطوريتهم ومناطق أخرى. على سبيل المثال، هناك تقارير تاريخية تذكر أن البابليين قد جمعوا قطعًا من فنون ومواد تمثل تاريخهم وحضارتهم، بل ووضعوا بعضها في القصور الملكية والمعابد.

المتحف البابلي: تنظيم جديد للمجموعات الثقافية

كانت فكرة “المتحف” في تلك العصور القديمة تمثل الأهمية الكبرى التي كان يوليها الحكام لعرض كنوزهم المادية والفكرية، وهو ما تجسد في الثقافة البابليّة. يُعتقد أن مجموعة من القطع الأثرية مثل الألواح الطينية المسمارية، وتماثيل الآلهة، والأدوات اليومية كانت تجمع بعناية لتسجل تاريخ بابل القديم.

المتاحف في العصور القديمة: تطور الفكر الحضاري

مع مرور الزمن وتطور الحضارات في مناطق مختلفة من العالم، بدأ مفهوم المتحف يتخذ أشكالًا متنوعة. في العصور اليونانية والرومانية، كانت هناك العديد من الأماكن التي ضمت مجموعات من الآثار والمعروضات التي تمثل حضاراتهم المختلفة. ولكن هذه المتاحف، مثل متحف الإسكندرية، كانت في كثير من الأحيان مقتصرة على الفئات النخبوية من العلماء والحكام، ولم تكن مفتوحة أمام الشعب.

المتحف في العصر الحديث

أدى تطور الفكر الحضاري والفني إلى ظهور المتاحف بالشكل الذي نعرفه اليوم. ففي القرن السابع عشر والثامن عشر، مع بداية عصر النهضة الأوروبية، بدأ مفهوم المتاحف يأخذ شكله المعاصر. تأسس أول متحف “حديث” في هذه الحقبة في أوروبا، حيث كانت المتاحف تعرض اللوحات الفنية والمنحوتات والآثار بطرق علمية أكثر تنظيمًا. ومن بين هذه المتاحف نجد المتحف البريطاني في لندن (الذي أسس في 1753) ومتحف اللوفر في باريس (الذي أسس في 1793)، ليصبحا من أرقى المتاحف العالمية التي تجمع بين الفن والتاريخ والثقافة.

الخلاصة

على الرغم من أن فكرة المتاحف قديمة جدًا، فإن أول “متحف” في تاريخ الإنسان، إذا اعتبرنا المتحف مكانًا مخصصًا للعرض العام للآثار والأعمال الفنية، يمكن أن يعود إلى متحف الإسكندرية في مصر القديمة. لكن، قبل ذلك، كانت هناك محاولات متفرقة لجمع القطع النادرة والفنية في الحضارات المختلفة مثل بابل. إن تطور فكرة المتحف وانتقالها من جمع المقتنيات النادرة إلى مكان علمي وفني مفتوح للجمهور كان خطوة مهمة نحو التصور المعاصر للمتحف.

لقد شكّلت المتاحف في كل العصور حجر الزاوية لحفظ تاريخ الإنسان وثقافاته المتنوعة، وسوف تستمر في أداء هذا الدور الهام. في النهاية، يمكن القول إن المتاحف هي إحدى أهم الأدوات التي تتيح للأجيال القادمة فرصة التواصل مع ماضيهم وفهم تطورهم الثقافي والفني.